جبـل العرب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


نلتقي لنرتقي ،، !!
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الأعمى الأعمى

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
نزار محمد شجاع
مشرف أقسام نفحات من الإيمان والكاريكاتير
مشرف أقسام نفحات من الإيمان والكاريكاتير
نزار محمد شجاع


جنسيَ » : ذكر
مشآرگاتيَ » : 653
نقآطيَ » : 79370
تآريخ التسجيــل : 24/01/2010

الأعمى الأعمى Empty
مُساهمةموضوع: الأعمى الأعمى   الأعمى الأعمى Icon_minitimeالأربعاء مايو 26, 2010 2:42 am

الأعمى

لا أحد كان سيعرف ذلك الجبين المتغضن والفم المشدود وتلك العينين الميتتين كالزجاج لأنهما
تبدوان مبصرتين وهما لا تبصران، حين كان يجاهد وهو يعلم أنه لن يتجاوز الدرجات السبع
الأولى حتى يكتشف الجميع أنه أعمى. كان يرغب بجعلها مفاجئة إنسانية لذلك القابع في الطابق
الثاني حين يولج مكتبه الكبير وستكون الكلمات التي رتبها وكررها مراراً ثم نسي معظمها لتخرج
عفوية هي الحد الفاصل بين عالم المبصرين والعميان.وباستغراب غامض لف دماغه سمع أن
الطفل في رحم أمه يلفه محيط أسود قبل لفظه باكياً نحو الضوء ، هو الوحيد الذي لم يشعر بالفرق
بين رحم أمه والمحيط الأسود الذي لف حياته حتى وصل عند تلك الدرجات. في القرية النائية عن
صخب الحياة ، سار بخطى مترنحة يداه تتحديان العالم الأسود وهو يتمتم كأنه يصلي واستوي
ليشعر بالأشياء أصوات متناغمة مختلفة وروائح تميز الدجاج والأغنام عن الأهل والأقارب
وحدها عصاه الخشبية الممدودة أمامه أبداً وسيلته الوحيدة للتحسس كقرني استشعار، في كل
مرة كان يشعر أنه سيفتح عينيه ليرى تلك الشموس الشاحبة قد انطفأت وإلى الأبد ليتلمس
الجدران الحجرية منتظراً نسمات الشرق تعلن انحراف الطريق نحو الساحة العامة .
صار تيسير– وما نفع الأسماء- يحفظ أماكن الصخور والأشجار والأدوات والأصدقاء
ومسالك الطرق حتى الوعر منها ، فاقداً للبصر لكنه لم يفقد بصيرته كما علق المختار وكان
في كل مناسبة يصعد سطح المنزل العالي بمهارة المبصر ليصدح صوته المعروف في المدى
يردده ويبتلعه جوف الوادي العميق ((إنا لله وإنا إليه لراجعون توفيت اليوم زهرة بنت خزاعي
والدفن الساعة الواحدة نطلب لها الرحمة ولكم حسن البقاء )) .
ورغم هذه الدعوة الصريحة للأهالي لم يكن أحد ليشعر وسط هذا الفقر بحسن البقاء
، أعتاده الناس (( أبو مرعي ياسامعين الصوت والحاضر يعلم الغائب يدعوكم للعشاء بمناسبة
طهور أبنه وعقبال أولادكم )) . وأثناء العشاء تتحرك أصابعه تستجدي حافة الوعاء الكبير
ويشعر بسخونته فتنحدر يديه نحو الخبز المشروح ليلف لقمته الناشفة بغصة عاجزاً عن
الوصول للكبة المحشوة واللحم اللزج والبرغل المسلوق باللبن ويعطف عليه البعض بلقمة
زفرة لينسحب باسماً وجهه نحو الأعلى يحدق بلا شيء .
لا يذكر بالضبط من الذي زرع في رأسه فكرة مقابلة ذلك المسؤول حتى بدأت تنمو
وتطرق جدران الجمجمة ، العمى الأكبر هو أن تعيش بلا أمل ،
فأمام تلك الحفرة التي لن يراها ولن يستدل عليها لاحقاً وضعوا أمه في صندوق ورتلوا آيات
حفظها ولفظها بتقطع وكانت وسيلته الوحيدة ليعبر بها عن تأثره حين عجزت فيه عيناه الناشفتان
اللتان مثل لؤلؤتين بيضاويتين عن ذرف الدموع . أمه التي أحبها كثيراً صلة الوصل الأقوى مع
هذا العالم الأعمى أعانته وتحملته يفتقد الآن صوتها الدافئ الناعس ورائحة ثيابها المعطرة بالقش
والطين والطحين والزعتر البري وخطواتها الهادئة كهرس القش في البيدر ، في الموت يكون
العمى واحد لا يتجزأ .أما والده فلا يتذكر منه سوى صوت ضيوفه الدائمين وسطوته التي تجعل
كل من حوله يفرون إلى أعمالهم كالعميان – الخوف هو الذي يعمينا- قالها في قرار نفسه وضحك كطرفة سمجة .
البطن الجائع يستيقظ باكراً ، ما كان ليعرف إذا الفجر بزغ أم مجرد جلبة الحيوانات
الأليفة جعلته ينهض أم أن الوحدة لخبطت ساعته البيولوجية أو قدمه ضربت أحدى العلب
المعدنية الفارغة ، لا بد أن الطعام المعلب وجد خصيصاً للعميان ، قالها واستقام وسط قرقعة الفوارغ
وانبعث في مخيلته صوتاً طالما عرفه لحناً لا يمكن أن يفارقه هو الوحيد القادر على صياغته بذلك
الأنبوب الحديدي المليء بالثقوب ، كان الشباب يضربون الأرض بأقدامهم وتكاد تتكسر وهم
يترنحون متشابكين على أنغام( شبابته) – قويها تيسير...يسعد عينك- فيغص اللحن ثم يستمر
طرباً وسط ضحكات الأطفال وتشجيع النساء وأحاديث الكبار المبهمة . منهكاً يرتمي آخر العرس
وكأنه قد نفخ منطاداً ، ولن يستعيد تنفسه الطبيعي إلا بعد حين ، ليقتات ويدخن بما جاد عليه العريس
، جميلاً كان ، ولأن مقياس الجمال لا تدركه سوى النسوة راحت بعضهن تتحرش به ، بيد أنه كان
يعرفهن من روائح العطر المنبعثة عند أعناقهن ومن همساتهن وآهاتهن ،ثم يستغرب كيف يمثلون
دور الطاهرات صباح اليوم التالي ورغم ذلك لم يعرف بعد إذا كان الحب أعمى فعلاً أم لا
ولم تأت تلك التي حلم بها لتنسل في فراشه جسداً طاهراً دافئاً يبعث الضوء والحياة .
الأفضل أن أرحل يعرفون كيف يتزوجون ويطهرون أولادهم بدوني ، قالها بحزن الغارق
بالظلمة والعزلة وكانت هذه المرة صرخة في وجه الجدران التي تحاصره والتي كان قد لمسها
آلاف المرات وبقيت باردة وجامدة .
الموت لا يمكن رده أبداً ولكنك تستطيع استدعاءه ليأتي إليك سهلاً ومؤلماً ،
في تلك اللحظات التي فكر فيه بالانتحار أخذه ابن عمه وتركه عند أول الدرج الطويل ،
لسعت الشمس وجهه دون نسمات قريته اللطيفة وأصمت أذنيه المرهفتين أصوات الباعة وجعير
السيارات التي عجز عن تخيل شكلها ،اعتقد أن الجميع هنا قد أصابهم العمى يتخبطون مسرعين
دون جدوى ، هدف واحد ركز حواسه الأربعة نحوه الوصول للطابق الثاني ،كغريق تمسك
بحافة الدرج وسط موج البشر الهائجة وتذكر معاناة المبصر الذي يبحث عن إبرة في كومة قش ،
لا فرق بينهما الآن وسوف يستعملان أيديهم للاكتشاف والوخز الأقوى يجعلك على يقين بقرب
الوصول للهدف ولم تطل المدة حتى جاءته الوخزة الأولى وشعر أن قلبه يدق في فمه تأبط ذراعه
رجلاً واعتقد أنه أضخم الحراس – اتركني- قالها حازماً مبتعداً عنه وراح يتلمس الجدران التي
تفصل البشر عن بعضها ، وخزة ثانية هذه المرة من جدار بشري –ماذا تريد- سمعها ممطوطة
ضخمة بطريقة غير مألوفة ،رد على الصوت وعيونه ترتفع فوق هامة الرجل بكثير –مقابلة المسؤول –
تدخل أحدهم بنبرة عاطفية –مسكين دعوه يدخل- وسمع صوت باب كبير ينفتح طويلاً وشعر
أنه يولج إلى فضاء لا حدود له مد يديه على وسعها وحركها بكافة الاتجاهات وبقيت أصابعه
المخذولة تضرب الهواء و رأسه مرفوعاً وجسده متحفز للاصطدام حين سمع صوتاً مجروشاً
لا يشبه أصوات البشر في قريته :ماذا تريد ؟...... الآن توقفت جميع حواسه كمن لسعته أفعى
حاول تجميع كل ما تبقى لديه من قوة ورباطة جأش وبأقصى طاقة راح يستخدم مهارته لمعرفة
مصدر الصوت ثم حزم أمره بأنه لابد في نهاية هذا الممر المواجه للباب ، ولأول مرة يخطئ في تحديد مصدر ونوع الأصوات .
وبابتسامة مصطنعة ورأس مشرئب خاطب الجدار الصلب الذي أمامه : ... سيدي أريد وظيفة.
..........................................................................................................
................................................................................................................
.........
الحائزة على درع لجنة التحكيم الخاص- جائزة منتدى القصة القصيرة بالسويداء-
الدورة الأولى-اتحاد الكتاب العرب فرع السويداء-2009
.............................. .........نزار محمد شجاع.....................
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فارس بلا جواد
الادارة العامة
الادارة العامة
فارس بلا جواد


جنسيَ » : ذكر
مشآرگاتيَ » : 9823
عمريَ » : 55
نقآطيَ » : 100960
تآريخ التسجيــل : 02/06/2008

الأعمى الأعمى Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأعمى الأعمى   الأعمى الأعمى Icon_minitimeالخميس مايو 27, 2010 2:14 am

الله الله

سرقتني للحاله تماما

اسلوبك اكثر من رائع

و كيف لنا ان نعلق بعد ما تفضلت به هنا

تستحق بكل جداره الجوااااااائز و ليس جائزه فقط

الف شكر لك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://qisip.com/
نزار محمد شجاع
مشرف أقسام نفحات من الإيمان والكاريكاتير
مشرف أقسام نفحات من الإيمان والكاريكاتير
نزار محمد شجاع


جنسيَ » : ذكر
مشآرگاتيَ » : 653
نقآطيَ » : 79370
تآريخ التسجيــل : 24/01/2010

الأعمى الأعمى Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأعمى الأعمى   الأعمى الأعمى Icon_minitimeالجمعة يونيو 04, 2010 6:07 am

شكراً
أخ فارس المحترم
ولكل الأخوة
وأعتذر جداً عن التأخر بالدخول بسبب وعكة صحية نتيجة تردي الأوضاع العربية
ووعكة اقتصادية نتيجة ازدياد الهجمة الليبرالية
لكننا صامدون هنا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
القرنفال الأحمر
الادارة العامة
الادارة العامة
القرنفال الأحمر


جنسيَ » : انثى
مشآرگاتيَ » : 11342
نقآطيَ » : 102515
تآريخ التسجيــل : 06/05/2008

الأعمى الأعمى Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأعمى الأعمى   الأعمى الأعمى Icon_minitimeالجمعة يونيو 04, 2010 2:15 pm

نعم أستاذنا طرقت هدفا يغيب عن الكثيرين وهو أن أعمى البصيرة هو الأعمى
ولطالما كان عمى العين
وسيلة أخرى من وسائل الصمود
بوجه الحياة المرة
أحييك

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مروان الحلبي
الادارة العامة
الادارة العامة



جنسيَ » : ذكر
مشآرگاتيَ » : 5877
نقآطيَ » : 89787
تآريخ التسجيــل : 28/08/2009

الأعمى الأعمى Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأعمى الأعمى   الأعمى الأعمى Icon_minitimeالسبت يونيو 05, 2010 1:43 am

كنت أكثر من رائع ..............نزار مع تقديري لقلمك
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
نزار محمد شجاع
مشرف أقسام نفحات من الإيمان والكاريكاتير
مشرف أقسام نفحات من الإيمان والكاريكاتير
نزار محمد شجاع


جنسيَ » : ذكر
مشآرگاتيَ » : 653
نقآطيَ » : 79370
تآريخ التسجيــل : 24/01/2010

الأعمى الأعمى Empty
مُساهمةموضوع: رد: الأعمى الأعمى   الأعمى الأعمى Icon_minitimeالإثنين يونيو 07, 2010 10:33 am

الأخت ميمونة المحترمة
والأخ مروان الغالي
شكراً لكما
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الأعمى الأعمى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
جبـل العرب :: 
المنتديات الأدبية
 :: النثر والقصة
-
انتقل الى: