محمد صفوت الساعاتي : في سطور

.
شاعر في سطور.


سأتحدث عن هذا الشاعر لأنه من أحب الشعراء لدي لما يمتلكـ من موهبه شعريه فذّه . وأتمنى بأن ينال الطرح على رضائكم .


الشاعر الكبير : محمود صفوت الساعاتي .

هو من شعراء العرب الذين ظهروا مع تباشير النهضه الحديثه في القرن التاسع عشر الميلادي .

وقد جمع هذا الشاعر النزعه التقليديه والنزعه الإحيائيه . وهويمثل مرحلة البدايات تمثيلاً حقيقياً مرحلة البدايات .

وقد وصف العقاد دواوينه (( بأنها أشبه بكراسات الإنشاء في معاهد التعليم )) . وقد خاض الساعتي في مثل هذا النوع من النظم وخصوصاً في قصيدته الطويله التي قالها في مدح الرسول (( صلى الله عليه وسلم )). وقد أتى فيها بمائه وخمسين لوناً من ألوان البديع ومطلعها :

سفح الدموع لذكر السفح والعلم ***أبدي البراعه في إستهلاله بدم

غير أن الساعاتي على الرغم من ذلكـ يمثّل البدايه الحقيقيه لشعر الإحياء للأسباب التاليه :

أولاً - لم ينتسب الى ذلكـ اللون من التعليم التقليدي الذي يقوم على الأذن والذاكره في البيئه الأزهريه القديمه التي تخّرج فيها علي أبو النصر, والليثي, و محمد شهاب ,وعبد الله فكري . بل تشرّب روح الشعر مباشره دون واسطه فلم يتعلم النحو بل أكتسبه إكتساباً طبيعياً شأنه ِشأن البارودي , إذ أستظهر ديوان المتنبي وكثيراً من أشعار القدامى , فأتصل بروائع التراث دون حاجز وقد ظهرت روح المتنبي في شعره .

ثانياً - كان ثمة دوافع شجّعته على قول الشعر والتجويد فيه وهو ذلكـ يشبه إلى حدٍ كبير في ظروفه ما أحاط ببعض الشعراء القدامى من مؤثرات , فقد اتصل بــ ( آل عون ) من الأشراف فأصطحبوه إلى حروبهم وكان بينه وبينهم ما يستدعي المدح والعتاب , إذ نبذوه حيناً دونما سبب وقربوه حيناً آخر مما حركـ دوافع الشعر لديه , ونافسه عليهم العديد من الشعراء , وكان منهم النحوي مثل الشيخ زين العابدين المكي الذي أعترض على بعض مفردات الساعاتي تماماً مثلما حدث للمتنبي في بلاط سيف الدوله .

ثالثاً- تفرغ للشعر أو كاد , فنظم في معظم الأغراض المعروفه خصوصاً الحماسه والمدح والعتاب وشعر المداعبات والنصح وما إلى ذلكـ .

يقول مادحا الخديوي سعيداً وقد عزم على زيارة قبر الرسول (صلى الله عليه وسلم ). :

ملأت قلوب العرب رعباً فما دروا**بعثت لهم بالكتب أم بالكتائب

تركتهم في أمرهم بين صادق**وآخر في تيهٍ من الظن كاذب

تسير لهم في جيشٍ عرمـرمٍ**يفـيــض بموج الحتف جانب

إذا هتفوا بإسم العزيز تزلزلت**جــبــال عليها الـذل لازب

فكيف إذا يمّمت بالشهب أرضهم**وزاحمت ما أفقهم بالنجائب

وجرد عليها الأسد في قصب القنا**ترى الأسد في الآجام مثل الثعالب


ويلاحظ أن الشاعر في هذا النص قد تميز بما يلي :

أولاً- الإهتمام بلإيقاع والجرس شديد الوقع في الأذن فجاءت أبياته على بحر الطويل (فعولن مفاعلين فعولن مفاعيل ) , وهذا البحر فيه تتجلى المهابه والفخامه والقدره على إستيعاب الحالات النفسيه المختلفه , ولهذا كان الأنسب للملاحم والقصص وذكر البطولات .

ثانياً - النسج على منوال القدماء وخصوصاً المتنبي في سيفياته فهو فخم العباره تراثي المعجم , وهوقريب من روح أبي تمام في محسناته اللفظيه والمعنويه حيث الجناس في قوله ( الكتب والكتائب ) (وصادق وكاذب ) .

ثالثاً - رواح في صياغته بين أسلوب التقرير الإخباري الذي ينحو منحى السرد والأسلوب الشرطي وبين الإستفهام والأمر في تشكيل فني يموج بالحركه .

رابعاً - تكثيف الشاعر للنعوت التي تبدو مفرده تاره , ومركبه تارةٍ أخرى بالإضافه إلى العنايه بإستخدام المفردات ذات الظلال الصوتيه ( عرمرم , تزلزلت , يممت , زاحمت ... إلخ ) .

خامساً - وظف الشاعر بعض عناصر الصوره القديمه كالبحر والصحراء وزلزلة الجبال .

ومن دعاباته :

إذا أرتفعت بالنحو أعلام علمنا**جعلنا جواب الشرط حذف العمائم

ليعلم من بالنصب يرفع نفسه**بأن حروف الخفض غير الجوازم

ويعلم من أعياه تصريف إسمه**بأنا صرفناه كصرف الدراهم

لأنا رأينا كل ثور مــعــمــم**يكلف قرنيه بنطح النعــائــم

يجر من الإذلال فضل كسائه**كأن الكسائي عنده غير عالم

إذا نظر الكراس حركـ رأسه**وصاح : أزيد قائم أم غير قائم

ويتميز النص بما يلي:
أولاً-تسري فيه روح الفكاهه التي شاعت في شعر معاصريه ومرجع ذلكـ إلى أمرين طبيعة المزاح السائد , وضغوظ الحياة التي أفرزت نوعاً من التحدي السلبي ممثلاً بالسخريه بالإضافه إلى ما كان يصطخب من جدل حول التقليد والتجديد .

ثانياً -اتكأ الشاعر على أسلوب الترويه , فالمعنى القريب هو ما أتصل بالنحو كما تنبيء عن ذلكـ مصطلحات النحو , أما المعنى البعيد فهو ما توحي به كلمة النصب ــ مثلاً ــ من معنى الإحتيال .

ثالثاً - معجم الشاعر مستقى من علم النحو ( مفرداته وأعلامه ) ,وألفاظه سهله ودلالاتها قريبه .

رابعا ً- أعتمدت الصوره عنده على المفارقه المظحكه والمزج بين المعنوي والحسي كصورة حذف العله ( وهي صورة عقليه تجريديه ) , وصورة حذف العمامه ( وهو مشهد تمثيلي حسي ) .

خامساً - نزع إلى رسم الكاريكاتيري حيث عبث بالصوره الواقعيه وينسب العلاقات فيها فشبه النحاة بالثيران وصورهم في مشهد ساخر وهم يقرؤون في كراريسهم .


ومن شعره يقول :


إني على العهد القديم وإنما **حظ الأديب عداوة الأرزاق

عاملتموني بالجفاء ,رويدكم **الورد ذو أرجٍ بلا إحراق

ما لي أراكم تنكرون مكانتي**الشمس لاتخفى مع الإشراق

قلدتم غيري الجميل وقلتم**حسب المغرد زينة الأطواق

أسديتم الجدوى له وسددتم**طرق الرجاء عليّ بالإطراق

إن لم يكن مثلي يسيء ومثلكم**يغضي,فأين مكارم الأخلاق .