دراسة نقدية لقصيدة بلا عنوان للشاعرة ميمونة اليونس بقلم الدكتور جمال مرسي

تغير كل شيء و تحطمت الأحلام .. هكذا
بدأت الشاعرة قصيدتها بهذا البيت الحزين الذي يجذب القارئ لمعرفة السبب . و لم يطل
انتظار القارئ طويلا فقد عرف السبب مباشرة في البيت الثاني حين عرفتنا الشاعرة
لماذا تغير كل شيء و تحطم الحلم على أعتاب الواقع .. لقد ذاقت مرارة تجربة سقتها
سماً ناقعاً ظنته السكر بحلاوته في الأمس .و نحن هنا بين حقبتين زمنيتين قريبتين
جدا 0 الأمس حيث كان الكأس حلوا و اليوم حين شربت من نفس الكأس علقماً مرا ) و كأن
الشاعرة تريد أن تقول أن هذه التجربة قريبة جدا بذكرها كلمة اليوم . ثم تتجه
بالخطاب إلى من أحدث بها هذا الشرخ
لم تعُد شـط الأمانـي
إن قلبـي الآن أبحـر

واعتلى موج شجونـي
يا لحزني كيف أزهـر
فهذا الحبيب لم يعد لها الشاطئ
الآمن و لا شط الأماني التي ترسو عليه أحلامها و لذا قررت أن تبحر الآن و تعتلي موج
أحزانها التي أزهرت و ترعرعت فجأة ما بين تواريخ قريبة ( الأمس ، اليوم ، الآن
)
هل كانت إذن ضحية خداع كبير أو وهم عاشت فيه كي تتجه باللوم الشديد مباشرة في
التفاتة أكثر من رائعة لقلبها فتلطمه بقوة بوصمه بالغباء .. مؤكد أن هذا القلب ليس
كذلك و لكن هول الصدمة عليها هي التي جعلت الشاعرة تتهمه بالغباء لأنه خُدع و لم
يأخذ حذره من طعنة خنجر لم تكن لتتوقعها .
أنت يـا قلبـي غبـي
لم تتب عن طعن
خنجر
ثم تضع الشاعرة مبرراتها لوصف القلب بما وصفته عبر أسئلة استنكارية
متتالية ( كيف تعطيني أمانا و هل ترى أن الزيف شهد مقطر )
كيـف تعطينـي
أمانـا
هل تراه الليـل أبصـر
هل ترى أعماك زيـفٌ
كان كالشهـد المقطـر

و حين أحست الشاعرة بقسوتها على نفسها و قلبها عادت سريعا لتستسمح هذا القلب
الطيب الذي و كأنه صدم من كلامها فتطلب منه ألا يلومها لأن الحريق أو الحدث الذي
زلزل روحها كان كبيرا جدا ثم كشفت عن السبب الحقيقي لقصة هذه الثورة بداخلها ألا و
هي نصال الغدر التي جارت و تمادت في ظلمها حتى إذا ما تغلغلت في أوردتها شربت منها
فسكرت و انتشت ( صورة جميلة )
يـا فـؤادي لا تلمنـي
فحريق الـروح أكبـر

0ونصال الغدر جارت
وانتشت في عمق أبهـر
ثم تواصل الشاعرة بأبيات متتالية
تبريراتها للقلب و لم تخرج هذه التبريرات كلها عن الغدر حتى أنها كررت ذات الكلمة
في أكثر من موضع و كأنها تقول لقارئها أيضا لا تعجب و كن معي فأنا مطعونة في قلبي
بخنجر غدر خؤون .
أصبح القلـب هشيمـا
مثل ليـل قـد تسمـر
تحطم القلب فصار
هشيما مثل ليل تسمر .. و الحقيقة أن الصورة هنا غريبة و لست أدري ما العلاقة أو وجه
الشبه بين القلب الهشيم و الليل الذي تسمر .. ربما كانت الإجابة عن الشاعرة
.
غدرُ من أهوى كوانـي
ها هي الايـام تسخـر
وتديـر الظهـر عنـي
وتحيل
الـورد أصفـر
إذن الأمر متعلق بغدر الحبيب الذي كواها به ما جعلها محلا لسخرية
الأيام منها و إدارتها ظهرها و تحويل أزهارها للون الأصفر ( و كان على الشاعرة أن
تختار كلمة أخرى غير أصفر كلون للورد .. أعرف أنها ربما قصدت به صفة الشحوب و لكن
هناك من الأزهار الصفراء ما هو يانع أيضا و بهي مع صفرته )
يا فؤادي لسـت
أقسـو
إنمـا القلـب تحـجـر
والأمـانـيُّ خـريـف
بعدما زهـري تضـرر

انمـا الغـدر تمـادى
يصرع القلـب المدمـر
وأراه الآن يـهــوي
بجنـاح
قـد تكـسـر
وأنيـن الـروح يبـدو
مثل طيـر قـد تعفـر
لم يعد في القلب
نبـض
تاه في حـزن مؤطـر
وارتمى في قعر غـدر
صارخا ما عدت أقـدر
(
الأماني خريف ، الزهر ذبل فتضرر ، الغدر تمادى ، القلب مدمر ، هوى ، جناح مكسور ،
قعر غدر و غيرها من الكلمات الحزينة التي تدل على عظم الموقف الذي كان الغدر الذي
رددته الشاعرة من حرقتها أكثر من مرة سببا له )
و لكن استوقفتني الصورة في هذا
البيت لما رأيت بها من تناقض
لم يعد في القلب نبـض
تاه في حـزن مؤطـر

فإن كان القلب قد غاب النبض فهو إذن في حكم الميت ، فكيف للميت أن يتوه .. هذا
من ناحية و من ناحية أخرى تأطير الشاعرة للحزن أعتقد أنها لم تكن موفقة فيه لأن
الحزن الملازم لحالة عظيمة كالتي تصفها حزن غير محدود لا يجب تأطيره أو تحديده
)

دمعـة العينيـن تشكـو
نبعهـا اليـوم تفـجـر
كم تعاني
اليـوم ظلمـا
وغدا من خـان يُقهـر

و بعد حطام القلب و الروح فقد كان
للعينين أيضا نصيب حيث تفجر نبعها بالدمع يشكوه و يسلم أمرة بروحانية شديدة لله لأن
من خان اليوم فإنه غدا سيقهر و تلك مشيئة الله الذي لا يظلم أحدا و دعوة المظلوم لا
ترد .

فلتعانـد فـيَّ صبـرا
أزهر الصبـر وأثمـر
فارحـل الآن
بصمـت
لست أستجديك فاحـذر
وانتظر إشراق شمـسٍ
في فـؤاد قـد تحـرر

لسـت أنسـاك بيـوم
قـد أجاريـك و أثـأر
عندهـا تـدري بأنـي
لست وحدي
من سيخسر
ثم تنهي الشاعرة قصيدتها بهذه الأبيات التي وجهتها مباشرة للحبيب الذي
صبرت عليه كثيرا حتى ازهر الصبر و أثمر فتطلب منه أن يرحل عنها بهدوء و صمت ثم
بلسان الأنثى الجريحة توجه له رسالة تحذيرية غاضبة أن هذا القلب الذي كنت سببا في
تحطيمة ستشرق فيه شمس وضاءة بعد أن يتحرر من قيدك و أنها لن تنسى له تلك الغعلة فقد
تثأر لنفسها يوما ما و ساعتها سيعلم من تسبب في جرحها أنه أيضا سيكون خاسراً لأنه
أضاع من بين يديه هذه الدرة الثمينة و أنها ليست الوحيدة التي
ستخسر.

القصيدة في مجملها جميلة تراوحت أبياتها بين القوة و الضعف ، الصبر و
الشكوى ، العناد الأنثوي و عزة النفس و التحدي و الرغبة المكبوتة أو المعلنة بالثأر
لنفسها .

أحييك شاعرتنا الراقية ميمونة اليونس و بالتوفيق دائما في كل ما
تكتبينه .

هذا ما رايته في قصيدتها بلا عنوان

و اشكر الدكتور جمال مرسي على هذا البحث الرائع

حول ما تفضلت به شاعرتنا الراقيه

كل الشكر لك أيها الفارس على
المرور الرقيق
مودتي

» قراءة الدكتور جمال مرسي لقصيدة بلا عنوان للشاعرة ميمونة اليونس
» تحية للشاعرة ميمونة اليونس
» معارضة لقصيدة الشاعرة ميمونة اليونس للشاعر المبدع (عدي شتات )
» قراءة الأديبة والشاعرة ميمونة اليونس في نص قصة "المسمار والوزنة" للشاعر الدكتور عدي شتات
» قراءة الشاعرة ميمونة اليونس في قصيدة أسطول تارسيس للشاعر الدكتور عدي شتات