[size=24]من الطابق الرابع أطلت غادة رأسها الصغير ترقب المارَّة وبيت جارها في الطابق الارضي من البناية المقابلة...
"فارس" يخطو متمهلا من الحديقة الى غرفته ويسرق نظرة من تلك الفاتنة المستندة على داربزين البناية المقابلة، يرمقها قائلا: أحبك أيتها الجميلة، وأعشق حزنك المرتسم على صمتك المر،
لوَّح لها بيده ودخل..
أخذت غادة ترقب المارَّة والمحلات التجارية التي بدأت أبوابها تفتح، والسيارات المسرعة الهاربة من حوادث الزمن تنهب الأرض نهبا،وصرير عجلاتها القبيحة كصوت مرتزقة يحملون الموت،جالت صور القتلة في عينيها المسمرتين على الأفق البعيد، بينما في خبايا تلك العيون نظرات تبحث عن "فارس"..
هي لا تعرفه من قبل لكن هناك عاطفة تنمو تجاهه، غرست أصابعها في شعرها الأحمر وفكرت بصوت مسموع، وأطلقت تنهيدة....
آآآآآه وأنَّة حزينة.. ماذا ستفعل وما هو مستقبلها مادامت داخل سجن الملل والسأم؟؟
ماذا ستفعل؟، لا تعرف أحدا بهذه البلاد البعيدة، ولا تفهم لغة أهلها بالكاد تفهم بعض الكلمات الضرورية لتدبير أمرها..,
رفعت يدها الى جبينها تفركه وصور تمرُّ سوداء تفرد ظلالها القاتمة على روحها،مجزرة ذبح أهلها وأبناء حارتها، الأشلاء المقطعة،الدماء النازفة، رائحة الموت،منظر القتلة المرعب وهي مختبئة خلف صور الحديقة ينغِّص عليها العيشة والرضى..
يرقبها"فارس" وابتسامة حنونة تغمر وجهه، ويد تلوح بالسلام،ترتعش نبضاتها،تشرق شمس الحب في قلب تملؤه ندب الوجع وجروح الظلم،لم تكن تثق بأحد لكنها تثق به، لم تكلمه،لم تلتقيه،لكنه يفهمها، هي لا تخطيء قراءة العيون، أطلقت آهة التمني والأمل..
تدرك أنه سيحميها،سيكون سند لها،لا تخطيء قراءة الوجوه،ابتسمت شفاه السماء، زغردة أشجار النخيل،حلقت النوارس على شطآن الضؤ،انسكب الشعور بالحنين والخوف من الوحدة رعدا في الروح,لوَّحت له بخفق قلبها المتسارع،أسرع يصعد مدارات الفرح لإحتضانها..
دلف معانقا رجفة اللقاء وتسارع الإنجذاب،حفرا حفرة كبيرة ولملموا اشلاء الأهل وأثار المذبحة في ذاكرة مزروعة زنابق بيضاء ارتوت من الدماء القانية الحمراء، وسال شواهد على عطرها حروفا تقول (أنّ للظالـــم يــوما عظيـــما)....[/size]