المزاعم اليهودية بحقهم في فلسطين و الرد عليها
كتبت أ . أسماء عبد الخالق ( بتصرف ) :
أولاً : لمحة تاريخية :
فلسطين هي الأرض التي تمتد من نهر الأردن و البحر الميت شرقاً , و البحر الأبيض المتوسط و سيناء غرباً, و من هضبة الجولان شمالاً إلى خليج العقبة جنوباً , أرض خصبة , وافرة المياه , كنوزها التاريخية غنية جداً , كانت مهد للأديان السماوية .
أول من سكن هذه الأرض المباركة هم الكنعانيون , وهم من بطون عربية هاجرت من شبه الجزيرة العربية منذ / 3000 / سنة ق . م , وهم من سام بن نوح حيث تفرع عنهم اليبوسيون الذين سموا القدس حالياً بـ يبوس .
جاء إليها سيدنا إبراهيم عليه السلام مهاجراً من العراق أيام الدولة البابلية القديمة عام / 1850 / ق.م و هو آرامي الأصل من القبائل التي تركت شبه الجزيرة العربية وسكنت العراق حيث لاقى العذاب بالنار لأنه نادى بالتوحيد ديناً فجعلها الله عليه برداً و سلاماً .
أشترى سيدنا إبراهيم قطعة أرض في حيرون من عفرون بن صوحر الحثي حيث انتقلت إلى سيدنا يعقوب الذي أسكن أبنائه فيها قبل هجرتهم إلى مصر وهم (63 ) فرداً ذريته و ذرية أبنائه ال ( 12 ) حيث عادوا على يد سيدنا موسى عليه السلام و هم ( 70 ) ألفاً حسب رواية العهد القديم وكان ذلك عام 1290 ق.م ودخلوا أرض أريحا على يد يوشع بن نون .
ونتيجة الصراعات الدائرة بينهم و بين السكان المحليين سنحت لهم الفرصة بتأسيس مملكة لهم على يد الملك داوود و بلغت زهوها في عهد ابنه سليمان , و بعد موته انقسمت إلى مملكتين :
مملكة إسرائيل و عاصمتها / السامراء / .
و مملكة يهوذا و عاصمتها / أورشليم / .
واشتد بينهما الصراع حتى غزى سرجون الثاني الآشوري مملكة إسرائيل و سبى شعبها خدماً إلى وادي الفرات .
ثم غزى الكلدانيون مملكة يهوذا و شتتوهم في أرجاء الأرض من شرق إيران و أسيا الصغرى إلى شمالي أفريقيا و شبه الجزيرة العربية
سمح لهم في العهد الفارسي الملك قورش بالعودة إلى أورشليم و أعاد لهم كنوزهم و أمر بإعادة بناء الهيكل الذي دمر .
و لم يستقر بهم الحال حتى غزاهم اليونانيون و ملكهم انطوخس الرابع و دمر القدس و هدم الهيكل و شردهم مرة أخرى و أجبر القسم الأكبر منهم بالعودة إلى الوثنية دين بلاده .
ثم عادت الصراعات بين من بقي منهم و بين السكان المحليين حتى أوقع بهم الرومان مذبحة كبيرة أجبرت الباقين على الفرار إلى دول أوروبة و لم يعد لهم وجود يذكر في فلسطين , فأخذوا يعلمون أطفالهم نزعات دينية مثل الحنين للوطن و التطلع لأرض الميعاد .
و في العهد الإسلامي ازدهرت الأرض العربية في فلسطين و ساد فيها الأمان و الحريات الدينية و لم يكن لليهود فيها وجود .
و عند الغزو الصليبي لم يكن في فلسطين سوى رجل واحد في اللد و آخر في حيفا و اثنين في بيت لحم كصناعيين .
وفي عهد العثمانيين كان هناك / 15 / عائلة يهودية في القدس و الرملة و اللد و الخليل و غزه و صفد ولم يكن لهم كيان سياسي يذكر .
و أثناء حملة نابليون على مصر و جنوب بلاد الشام سمح لهم بالهجرة إلى فلسطين لحاجته لهم في تمويل حملته بالمال و العتاد و خاصة من عائلة روتشيلد , حتى بلغ عددهم / 15 / ألفاً أي بنسبة 2% من السكان المحليين للبلاد .
و أخذت تتدفق الهجرات اليهودية من جديد في عهد الانتداب الأوروبي على الوطن العربي و تتسابق الدول الأوروبية في كسب ثقتهم بمساعدتهم على شراء الأرض و تشكيل جماعات مالية للإعلانات و جماعات أخرى مسلحة للتوسع .
ثانياً : الرد التاريخي على المزاعم اليهودية بحقهم في فلسطين :
إن اليهودية من الأديان المنتشرة في أكثر من أمة , تعيش في بقاع مختلفة , و تتكلم اللغات المختلفة , و لها العادات و التقاليد المختلفة , و هذه الديانة موزعة في العالم كما يلي :
في القارة الأمريكية : 48% من مجموع يهود العالم , و القارة الأوروبية 29% , و في القارة الآسيوية 21% , و في القارة الأفريقية 1.5% , و في نيوزيلندا و أسترالية 0.5% .
و حسب ذلك ينقسم يهود العالم إلى غربيين و شرقيين أي الاشكيناز و السفرديم , أما يهود الخزر فهم من بلاد الخزر في آسيا الصغرى جنوب روسيا عند مصب نهر الفولغا , وقد اعتنقوا اليهودية في العصور الوسطى , و قضت عليهم حملة الروس و شتتتهم في كافة أنحاء العالم , و هرب ملوكهم و نبلائهم إلى الأندلس و عاشوا بين المسلمين آمنين مطمئنين .
و بذلك لا علاقة لهم ببني إسرائيل و منهم الآن زعماء الحركة الصهيونية المنادية بالعودة إلى أرض الميعاد / ك هرتزل و بن غوريون و بيغن و وايزمن و دايان / و هم الآن يشكلون 80% من سكان يهود فلسطين و ادعائهم بالعودة إلى أرضهم هراء باطل و أنهم من أصل قوقازي و مملكتهم الضائعة هي مملكة الخزر و ليست مملكة إسرائيل
أما علماء الأنثروبولوجيا فيقولون : أن تسعة أعشار اليهود من سلالات جرمانية و ليست من سلالة يعقوب و موسى عليهما السلام , و يخطىء من يخلط بين يهود بني إسرائيل ( يعقوب عليه السلام ) و سلالات أخرى اعتنقت الدين اليهودي في بلاد أخرى .
و تقر منظمة اليونسكو و مؤتمر جمعية علماء الجنس البشري أنه ليست هناك أمة يهودية أو عشيرة أو قبيلة يهودية بل دين اعتنقه جزء من البشر في أنحاء مختلفة من العالم .
و يعترف علماء اليهود أنفسهم أن اليهود الحاليين في فلسطين ليسوا ساميين من نسل إسرائيل بل هم آريون قدموا من أوروبا و قوقازيا من أسيا و فلاشا من إثيوبيا , و هم ليسوا بالشعب الواحد , بل طوائف و جماعات , و يتفق مع هذا الرأي كل من ( بوليك ) المحاضر اليهودي في جامعة تل أبيب و عالم الأجناس ( جروفيتش ) عميد كلية الطب في الجامعة العبرية .
و مما يؤكد هذا الرأي التناقض في فلسطين بين اليهود الغربيين و اليهود الشرقيين حيث التمييز العنصري على أشده , و يمنع على الشرقيين استلام المناصب الهامة , و اسكن اليهود الزنوج في صحراء النقب قسراً و هم يعيشون اليوم حياة تعيسة جداً , و خير دليل على ذلك الاحتجاج اليومي و المتكرر من المضطهدين , و المواجهات و الإضرابات التي حصلت عام 1959م حيث اجتاح الشرقيون شوارع حيفا و هاجموا المباني الذي يقطنها الغربيين و المؤسسات التي يعملون بها.
أما علم الآثار فيؤكد الحقيقة ذاتها و أن لا علاقة لليهودية بالأراضي التي يحتلونها و ينقبون عن آثارها ليثبتوا تواجدهم فيها عبر السنين , وعلى العكس فقد أخفت السلطات الإسرائيلية مخطوطات البحر الأحمر المحفوظة في متحف القدس عند استيلائها عليه بعد احتلالها للأراضي العربية عام 1967م و هذه المخطوطات تكذب ادعاءات الذين يأتون إلى المنطقة كمنقبين و هم مشبعين بفكرة التوراة و ما تقوله الحاخامات اليهودية .
ويقول البروفسور الأمريكي ( توماس تمسن ) أن ما كشف عن تاريخ الشرق الأوسط هو حكايا من نسج خيال المؤمنين بالتوراة و التوسع اليهودي .
و الحقيقة هي أن القدس بالذات من بقايا مدينة أسسها ( أمينوس ) الرابع الذي عرف بـ ( إخناتون ) بين عامي (1375 و 1358) ق.م وهذا مثبت بالرسالة اليبوسية الثانية عشر التي اكتشفت على ألواح في تل العمارنة المشهورة في صعيد مصر عام 1887م .
إذاً نستنتج أن اليهود لم يكن لهم أي استقرار في فلسطين أو المنطقة , بل تواجد متقطع حسب ما تسمح به السلطات صاحبة النفوذ طمعاً بمساعدتهم على السيطرة على المنطقة , و لم يعد لهم وجود يذكر منذ عام 64ق.م و لم يكن لهم حضارة أو فنون أو علوم و لم يتجاوزوا مرحلة الأمم شبه المتوحشة على رأي الفرنسي ( غوستاف لوبون ) و يتابع و يقول : ( إن اليهود الذين احتلوا فلسطين هم العصابات الصهيونية و هم حثالة المجتمعات التي نبذتهم عبر العصور لجشعهم و أنانيتهم و فساد أفكارهم .
ثالثاً : الرد الديني على المزاعم اليهودية بحقهم في فلسطين :
1- من التوراة :
التوراة هي السجل الأسود المخلد لأعمالهم الإرهابية و التي فيها الكثير عن ذكر أعمالهم الفاسدة لأنه ما من نبي أو حكيم أو قاضي أو قائد إلا و غدروا به و اختلفوا عليه و ألصقوا به التهم زوراً و بهتاناً .
ففي سفر القضاة , الإصحاح العاشر توعد الرب بالقضاء عليهم أو حرمانهم أو استبدال قوم غيرهم , عندما عادوا يعملون الشر في عيني الرب و عبادة آلهات أخرى فقال : ( فحمي غضب الرب على إسرائيل و باعهم بيد الفلسطينيين ) .
و في سفر اللاويين عن لسان الرب يقول لبني إسرائيل : ( ثم إن لم تطيعوني بعد هذا زدتكم تأديباً على خطاياكم سبعة أضعاف فأحطم شامخ عزكم , و أجعل سماءكم كالحديد , و أرضكم كالنحاس , و أبددكم بين الأمم , و أجرد وراءكم سيفاً فتصير أرضكم خراباً و مدنكم قفراً ) .
2- من الإنجيل :
يعترف رجال الدين المسيحي بعداوة اليهود لهم زمن السيد المسيح عليه السلام حين طاردوه و نكلوا به ثم صلبوه لأنه لم يعترف لهم بالأرض حين قال : ( لأن قلب هذا الشعب قد غلظ , و أذانهم قد ثقل سماعها و غمضوا أعينهم , لذلك فقد حرموا من ملكوت الله , و لذلك أقول لكم أن ملكوت الله ينزع منكم و يعطى لأمة تعمل أثماره ) .
و يقول السيد المسيح عليه السلام غاضباً من قتلة الأنبياء : ( يا أورشليم , يا أورشليم , يا قاتلة الأنبياء , و راجمة الرسلين إليها , هوذا بيتكم يترك لكم خراباً ) , و ينكر السيد المسيح عليهم أنهم من أ بناء إبراهيم عليه السلام فيقول : ( لو كنتم أبناء إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم ) .
رابعاً : الرد القانوني على المزاعم اليهودية بحقهم في فلسطين :
ينطلق الرد عليهم في مزاعمهم هذه قانونياً من الأسس التالية :
1- وعد بلفور الصادر عن الحكومة البريطانية في 2 ت2 1917م .
2- صك الانتداب البريطاني الصادر بتاريخ 24 تموز 1922م
3- قرار هيئة الأمم المتحدة رقم / 181 / تاريخ 29/ ت2 / 1947م القاضي بتقسيم أرض فلسطين إلى دولة عربية و دولة يهودية و منطقة دولية في القدس .
4- مرور الزمن المكسب .
أولاً : وعد بلفور :
هذا الوعد من الجهة القانونية باطلاً و ذلك للأسباب التالية :
1- يتعلق الوعد بأرض لا صلة قانونية لبريطانية بها و يعطيها لمن لا صلة قانونية بها حيث كانت فلسطين تابعة للسلطنة العثمانية آنذاك و ليست لبريطانية .
2- هذا الوعد تم بين أشخاص من نفس الدولة ( بلفور – روتشيلد ) و لجواز القانون الدولي يجب أن يكون بين دولتين تامتي السيادة على الأرض و هذا لم بكن .
3- هذا الوعد لا يرعى الشرعية الدولية و لا حقوق الإنسان , لأنه أعطى الأرض لشعوب مشتتة على حساب الشعب الذي يسكن عليها دون حلاً لمشكلة إسكانه .
4- هذا الوعد تم قبل ميثاق الهيئة الدولية و كان الميثاق قد ألغى كل المعاهدات و الاتفاقات قبل موعد توقيع الميثاق , كما نصت المادة /20/ منه على ( اعتراف الأعضاء في المنظمة الدولية ببطلان كل معاهدة أو اتفاق أو عهد سابق ارتبط به الأعضاء قبل تأسيس المنظمة و كان موضوعه يتنافى مع مبادىء هذا الميثاق أو نصوصه .
ثانياً : صك الانتداب البريطاني :
و هذا الصك باطلاً للأسباب التالية :
1- إنه يخالف بشكله و مضمونه ميثاق عصبة الأمم و مبادئها و خاصة نظام الانتداب لأنه ينص على قيادة الدولة الضعيفة و الإشراف عليها كي تصبح قادرة على قيادة نفسها بنفسها و ليس تسليمها لعصابات إرهابية جمعت من كافة أنحاء العالم .
2- أنه يخالف المبدأ الأساسي التي قامت عليه عصبة الأمم و هو حق تقرير المصير حيث قررت بريطانية مصير فلسطين في حالة ضعفها و مساعدة العصابات الصهيونية بالاستيلاء على الأراضي بعمليات إجرامية و ارتكابها المجازر التي لم يعرف التاريخ مثيلاً لها , حيث أبيدت قرى بأكملها و لم ينجوا منها حتى شاهد عيان .
ثالثاً : قرار هيئة الأمم المتحدة رقم /181/ تاريخ 28/ ت2 / 1947م
هذا القرار يقضي بتقسيم فلسطين إلى ثلاث مناطق و هو باطلاً أيضاً لأنه :
1- إن الفقرة الثانية من المادة الأولى من ميثاق الهيئة الدولية تنص على : ( إنماء العلاقات الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالتساوي في الحقوق بين الشعوب
و هيئة الأمم المتحدة لم تعمل بهذا المبدأ بل بضغط من القوى الكبرى في العالم و المتسابقة بالعطف على إسرائيل لحماية مصالحها في المنطقة , قسمت فلسطين إلى دولة عربية إسلامية و دولة يهودية و منطقة دولية , فهل يعقل أن تقام دول على أساس ديني أو عرقي في التاريخ و بقرار رسمي .
2- إن هيئة الأمم المتحدة خالفت ميثاقها بإحداث كيان جديد على حساب أرض لشعب آخر و أعطته الشرعية , و هذا الكيان لم يعترف أبداً بالشرعية الدولية و لم ينفذ لها قرار منذ قيامه .
رابعاً : مرور الزمن المكسب :
إن هذا المبدأ لا يسوغ لإسرائيل تأكيد ملكيتها لفلسطين لأن هذا المبدأ لم تعترف به أي منظمة دولية أو قارية أو إقليمية .
و لو وجد هذا المبدأ لحق لشعوب أخرى بالمطالبة بأراضي الغير و كان لحق للعرب بالمطالبة بأسبانيا و إيران أو الأراضي التي نشروا فيها الدين الإسلامي أو حق للأتراك بالمطالبة بالوطن العربي كله أو لبريطانية بالهند و هكذا .
و يضاف إلى ذلك أكثر من مئة قرار صادر عن هيئة الأمم المتحدة , من مجلس الأمن أو الهيئة العمومية أو المجالس و اللجان التابعة لها بالإضافة للمنظمات الإقليمية مثل الوحدة الأوروبية و الوحدة الإفريقية و منظمة الأفروأسيوية و منظمات اجتماعية و إنسانية أخرى , كلها تدين التواجد الإسرائيلي في الأراضي العربية و ضمها و تغيير معالمها أو تدين أعمال الإرهاب و القمع و الحصار التي تقوم به إسرائيل على الشعب العربي في فلسطين و الأراضي العربية المحتلة , بل و تطالبها بالانسحاب الفوري , و حتى هذه الساعة لم تنفذ هذه القرارات أو جزء منها إلا بالقوة كما حصل و انسحبت القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان تحت ضربات المقاومة اللبنانية الباسلة .
و العرب يعرفون اليوم أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة , و ما المقاومة الآن في فلسطين إلا قناعة العرب كل العرب في حقهم في استرجاع أراضيهم من عدو لا يعرف إلا القوة منطقاً و القتل و الارهاب قانوناً , و المسيرة اليوم خلف سوريا الأسد و قائدها الواعد الرفيق الدكتور بشار الأسد الذي استمد من الشعب قوته و من الشارع العربي شرعيته الذي سار في دعم الانتفاضة البطلة غير آبه بمؤامرات المتآمرين أو خوفاً من الضغوط الخارجية أو التهديدات الصهيونية حتى الوصول إلى السلام العادل و الشامل المرتكز على الثوابت الوطنية و أولها استرجاع الأرض المحتلة حتى حدود الرابع من حزيران عام 1967م وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة و عاصمتها القدس الشريف و حق العودة و التعويض عليهم , و إننا على ذلك لسائرون خلف قيادته المباركة حتى النصر أو الشهادة .